https://youtu.be/eiaeUBTokIk?si=UEErC0ML9an3LZpB
اوامر الاداء عدالة على درجة واحدة.
✍️ بقلم المستشار /احمد محمد نعمان محامي ومستشار قانوني
👇👇
👈 إنّ مبدأ التقاضي على درجتين بوصفه أصلاً راسخاً في فلسفة التشريعات الإجرائية الحديثة وضمانة جوهرية للمحاكمة العادلة يمثل سياجاً لحقوق المتقاضين يتيح لهم فرصة مراجعة الأحكام وتدارك ما قد يعتريها من هناتٍ في فهم الواقع أو تأويل القانون وتطبيقه.
وفي هذا السياق استحدث (المشرع اليمني) نظام أوامر الأداء كآلية مبتغاة لتيسير استيفاء الديون الثابتة بالكتابة محققاً بذلك غاية السرعة والنجاعة في المعاملات المدنية والتجارية. بيدَ أن الطبيعة الإجرائية المختصرة لهذا النظام اقتضت تحقيقاً للتوازن إحاطته بضمانة مقابلة تتمثل في حق المدين في التظلم من الأمر الصادر ضده وهو ما يعيد النزاع برمته إلى ولاية القضاء الموضوعي ليفصل فيه بحكم قضائي مكتمل الأركان بعد تمكين الخصوم من المواجهة الشاملة وتقديم ما لديهم من دفوع وأدلة.
👈 وكان مقتضى التدرج الطبيعي للإجراءات إنسجاماً مع مبدأ التقاضي على درجتين* أن يكون الحكم الصادر في التظلم - باعتباره أول حكم موضوعي متكامل يصدر في النزاع - قابلاً للطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة أعلى درجة إلا أن هذا الاستقرار الإجرائي الذي *يمثل ضمانة أصيلة قد تم النكوص عنه بتعديل المادة (88) من قانون المرافعات اليمني خلال عامي 2020/2021م.* هذا التعديل الذي قُدِّمَ مدفوعاً بالغاية المعلنة لتحقيق "العدالة الناجزة" وتسريع استيفاء الحقوق جاء ليُلغي درجة الاستئناف في أحكام التظلم من أوامر الأداء جاعلاً الطعن فيها مقصوراً على النقض أمام المحكمة العليا مباشرةً.
*وعلى الرغم من أنَّ ظاهر هذا التوجه قد يوحي بتحقيق مصلحة الدائن في سرعة الحصول على حقه وهو* اعتبار لا يمكن إغفاله في سياق البحث عن الكفاءة الإجرائية إلا أن إنفاذ هذا التعديل كشفَ عن مساسٍ بمبادئَ إجرائية أساسية وتحديات عملية تثير القلق يأتي في طليعة هذه التحديات تقويض مبدأ التقاضي على درجتين وهو ما يمثل حرماناً للمتقاضين من فرصة حقيقية لإعادة عرض نزاعهم بعناصره الواقعية والقانونية كافة على محكمة أعلى درجة تتولى مراجعته موضوعاً وقانوناً فالحكم الصادر في التظلم يغدو بحكم هذا التعديل هو الفيصل في وقائع النزاع الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول كيفية تدارك الأخطاء الواقعية التي قد تشوب تقديرات محكمة التظلم خاصة وأن المحكمة العليا بحكم طبيعتها وتكوينها واختصاصها الأصيل هي محكمة قانون في المقام الأول لا تمتد رقابتها – كأصل عام – إلى إعادة تقدير الوقائع أو الموازنة بين الأدلة.
👈 قد يُدفع هنا بما استحدثه التعديل المتزامن للمادة (300) من قانون المرافعات والذي خول المحكمة العليا سلطة الفصل في الموضوع متى كان الحكم المطعون فيه مخالفاً للشرع والقانون وكانت القضية صالحة للحكم فيها.
ومع ذلك فإن هذه الصلاحية وإن كانت تمنح المحكمة العليا دوراً موضوعياً استثنائياً إلا أنها لا ترقى لتكون بديلاً مكافئاً لدرجة تقاضٍ موضوعية أصيلة وكاملة كما توفرها محكمة الاستئناف فتدخُّل المحكمة العليا يظل مقيداً بشروط ولا يضمن بالضرورة ذات العمق في التحقيق والمواجهة المباشرة التي يتيحها قضاء الدرجة الثانية فمحكمة الاستئناف كانت تُمثِّل قبل التعديل ميداناً حقيقياً يمكن فيه للخصوم تقديم ما استجد لديهم من بينات أو دفوع ومناقشة تقديرات محكمة أول درجة ووزنها للأدلة بشكل مستفيض كما كانت تتيح للمحكمة ذاتها سلطة واسعة في استجلاء الوقائع وتوجيه الأسئلة ورفع اللبس والغموض وهي أدوار يصعب على المحكمة العليا بالنظر إلى طبيعتها كمحكمة قانون وعبء القضايا المنظورة أمامها أن تضطلع بها بذات الكيفية والشمول.
وقد ترتب على هذا الوضع تأثر حق الدفاع وهو من الضمانات الجوهرية فالفرصة التي كانت متاحة لاستدراك ما فات من دفوع أو أدلة أو لمواجهة تقديرات واقعية قد يراها الخصم غير سديدة أو حتى لإعادة بناء الحجج القانونية على نحوٍ أكثر إقناعاً قد تقلصت إلى حد كبير.
إن جوهر الضمانة في محكمة الاستئناف لا يكمن فقط في مراجعة صحة تطبيق القانون بل في إعادة بث "الحياة" في وقائع النزاع أمام هيئة قضائية جديدة وهو ما لا يمكن اختزاله في رقابة قانونية مجردة حتى وإن اتسعت بعض صلاحياتها الموضوعية الاستثنائية.
ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في هذا التعديل التشريعي فالسعي المحمود نحو عدالة ناجزة يجب ألا يطغى على مقتضيات العدالة المنصفة والضمانات الإجرائية الأساسية التي تمثل صُلب المحاكمة العادلة.
👈 *ولعل المخرج يكمن في تبنِّي حلٍّ توفيقي يوازن بين هذين الاعتبارين: إعادة العمل باستئناف أحكام التظلم من أوامر الأداء بما يكفل الحفاظ على درجة تقاضٍ موضوعية ثانية بكافة ضماناتها مع جعل الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف في هذه المنازعات بالذات نهائية غير قابلة للطعن فيها أمام المحكمة العليا.
إن هذا المقترح من شأنه أن يحقق التوازن المنشود بين سرعة الإجراءات وعمق الضمانات وهو ما يجب أن يكون غاية كل تطوير تشريعي يسعى إلى نظام قضائي* فعال وعادل.
👈 معاني الكلمات
١- كلمة "هنات هي جمع "هنة"وتعني الزلات أو الاخطاء الصغيرة التي قد تحدث في أمر ما.
الأقسام:
ثقافة قانونية
مقالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق