الخشية من فوات الوقت (الحلقة الثانية) ✍️ بقلم المستشار / احمد محمد نعمان محامٍ وكاتبٌ الخشية من فوات الوقت (الحلقة الثانية) ✍️ بقلم المستشار / احمد محمد نعمان محامٍ وكاتبٌ
close

📚 يوميات القاضي المستعجل 
     الخشية من فوات الوقت 
                  (الحلقة الثانية)
               
✍️ بقلم المستشار / احمد محمد نعمان محامٍ وكاتبٌ يمني
👇         👇
مقدمــة
👈 يُشكِّل عنصر "الخشية من فوات الوقت" الدعامة الأساس التي يقوم عليها صرح القضاء المستعجل فهو العلّة الجوهرية التي تمنح هذا الضرب من القضاء مسوّغ وجوده وتُخوّل القاضي سلطة التدخل العاجل بإجراءاتٍ ذات طبيعة وقتية تستهدف درء خطرٍ مُحدِقٍ أو صيانة حقوقٍ يتهددها التلاشي بفعل عامل الزمن وإن استيعاب كُنه هذا المفهوم وتبيُّن كيفية تقديره في العمل القضائي ليُعدُّ أمراً بالغة الأهمية لكل مُشتغلٍ بمنظومة العدالة. 
ويهدف هذا الموضوع إلى إلقاء الضوء على مفهوم "الخشية من فوات الوقت" وتحديد المعايير التي يرتكن إليها القاضي في تقديره وبيان أثره على مآل الطلبات المستعجلة وذلك على غرار ما استقر عليه الفقه القانوني مع الاستئناس ببعض الإشارات من التشريع اليمني والمقارن.

👈 مفهوم "الخشية من فوات الوقت" يُراد بمصطلح "الخشية من فوات الوقت" ذلك الخطر الحقيقي والداهم الذي يتربص بالحق المراد حمايته بحيث لو أُرجئَ الأمر بصاحب الشأن إلى حين سلوكه إجراءات التقاضي العادية لكان حقه قد اعتراه ضررٌ جسيمٌ أو لأضحتْ المحافظة عليه ضرباً من المستحيل أو أمراً بالغ العسر والتعقيد.(¹) ويتعين أن يكون هذا الخطر حالّاً أو وشيك الوقوع لا أن يكون مجرد احتمالٍ بعيدٍ أو محض افتراضٍ لا يقوم على دليل.
ولا ينحصر مفهوم الخشية من فوات الوقت في مجرد ابتغاء السرعة في اتخاذ الإجراءات بل هو في جوهره حالةٌ واقعيةٌ تستدعي بحكم الضرورة تدخلاً قضائياً عاجلاً للحيلولة دون تفاقم الضرر أو لتأمين دليلٍ يُخشى زوال معالمه بمرور الوقت. 
👈 وقد استقر الفقه على أن الاستعجال هو "مناط اختصاص قاضي الأمور المستعجلة"(²) بما يعني أنه الشرط الجوهري الذي لا ينعقد بدونه اختصاص هذا القاضي بالنظر في الطلب المعروض عليه.
وفي الإطار التشريعي اليمني تُشير المادة (٢٣٨) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني إلى أن قاضي الأمور المستعجلة يختص "بالحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بأصل الحق في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت".(³) ويُظهر هذا النص بجلاء أن "الخشية من فوات الوقت" هي المعيار الأساس الذي يُعوَّل عليه في تحديد ماهية المسائل المستعجلة التي تدخل في نطاق ولايته.
👈 كيفية تقدير القاضي لعنصر "الخشية من فوات الوقت"
يخضع أمر تقدير مدى توافر عنصر "الخشية من فوات الوقت" للسلطة التقديرية لقاضي الأمور المستعجلة بيد أن هذه السلطة ليست طليقةً من كل قيد بل هي سلطةٌ تقديريةٌ منضبطةٌ يتعين أن ترتكن في قيامها إلى وقائع الدعوى وظروفها الخاصة وإلى ما يُقدِّمه الخصوم من مستنداتٍ وأدلةٍ تساند ادعاءاتهم.
ويقوم القاضي في هذا الصدد بفحص ظاهر ما يُعرض عليه من أوراق ومستندات ليستخلص منها ما إذا كانت هناك دلائل كافية ومقبولة تشير إلى وجود خطرٍ حقيقي يبرر التدخل العاجل ولا يُنتظر من القاضي في هذه المرحلة أن يتعمق في بحث موضوع النزاع أو أن يتثبت من الأدلة على وجه اليقين والجزم بل يكفي أن يترجح لديه من ظاهر الحال قيام هذا الخطر وضرورة مواجهته بإجراءٍ وقتي.
 وقد أشار الأستاذ الندوي إلى أن "تقدير الاستعجال من عدمه يعود إلى قاضي الموضوع ويقصد به قاضي الأمور المستعجلة الذي ينظر في الطلب ويستخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها"(⁴)
👈 يستند القاضي في تقديره لعنصر الاستعجال إلى جملة من المعايير التي استقر عليها الفقه والقضاء من أهمها:
طبيعة الحق المراد حمايته: إذ إن بعض الحقوق بحكم طبيعتها تستلزم حمايةً عاجلةً تفوق غيرها كالحقوق المتصلة بالحيازة أو بسلامة الأشخاص أو المتعلقة بالأموال التي يُخشى عليها من التلف السريع.
👈 طبيعة الخطر المحدق: فيجب أن يكون الخطر جدياً وحالاً أو على الأقل وشيك الوقوع وألا يكون مجرد ضررٍ احتماليٍّ ضئيلٍ أو بعيد التحقق. 
ومثال ذلك أن يكون هناك تهديدٌ بإتلاف مالٍ أو بتغيير معالم واقعةٍ قائمة أو بفوات فرصةٍ لا يمكن تداركها أو تعويضها فيما بعد.

👈 عدم كفاية إجراءات التقاضي العادية: حيث يتعين أن يثبت أن اللجوء إلى إجراءات التقاضي العادية بما تتسم به من بطءٍ نسبيٍّ تقتضيه طبيعة الإجراءات فيها لن يوفر الحماية المطلوبة في الوقت المناسب وأن من شأن هذا التريث أن يجعل الحماية إن جاءت عديمة الجدوى.
👈 ظاهر المستندات والأدلة: إذ يعتمد القاضي بشكل كبير على ما يقدمه طالب الإجراء الوقتي من مستنداتٍ وأدلةٍ أولية تدعم ادعاءه بوجود الخطر وقيام حالة الاستعجال المبررة للتدخل القضائي العاجل.

👈 أثر "الخشية من فوات الوقت" على قبول الطلبات الوقتية أو الاستعجالية
يُعدُّ توافر عنصر "الخشية من فوات الوقت" شرطاً جوهرياً لا غنى عنه لقبول الطلبات ذات الطبيعة الوقتية أو الاستعجالية. 
فإذا ما انتفى هذا الشرط فإن القاضي يقضي بحسب الأحوال إما بعدم اختصاصه بنظر الطلب بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة أو برفض الطلب ذاته لانتفاء مبررات الاستعجال.
👈 ويقع عبء إثبات قيام هذا العنصر كأصلٍ عام على عاتق مدعي الاستعجال إذ عليه أن يُقدِّم للمحكمة ما يسوغ طلبه العاجل ويدلل على قيام الخطر المحدق. فإذا ما اطمأن القاضي إلى توافر هذا الشرط بالإضافة إلى استيفاء سائر الشروط الأخرى المتطلبة في القضاء المستعجل (كضابط عدم المساس بأصل الحق ورجحان وجود الحق المطلوب حمايته في ظاهر الأمر) فإنه يصدر أمره أو حكمه الوقتي المتناسب مع طبيعة الحالة المعروضة.
وتتعدد الحالات التي يتجلى فيها عنصر "الخشية من فوات الوقت" كمسوّغ للتدخل القضائي العاجل ومن الأمثلة التي أوردتها المصادر الفقهية والقانونية لا سيما في إطار الفقه المقارن:
👈 دعوى سماع شاهد: حيث "يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه أن يطلب... سماع ذلك الشاهد".(⁵) فالخشية هنا من فوات فرصة الاستشهاد بالشاهد (بسبب مرضه المتوقع أو سفره الوشيك الذي لا عودة منه قريبة أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل شهادته متعذرة في المستقبل) هي مناط الاستعجال.
👈 دعوى إثبات الحالة: إذ "يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب... الانتقال للمعاينة".(⁶) فالخشية من ضياع هذه المعالم أو تغييرها بفعل الزمن أو بفعل فاعل هي التي تبرر التدخل العاجل لإثباتها على حالتها الراهنة.
👈 بيع الأموال القابلة للتلف: 
وقد أشار الأستاذ الدكتور عبد الملك الجنداري إلى أن "سبب مسألة بيع الأموال القابلة للتلف هو خشية تلف تلك الأموال".(⁷) فإذا لم يُبادر إلى بيعها على وجه السرعة فإن قيمتها ستتلاشى أو تنقص نقصاً فاحشاً.
👈 منازعات الحيازة: 
إذ غالباً ما تتسم هذه المنازعات بطابع الاستعجال نظراً لما قد يترتب على استمرار الاعتداء على الحيازة من أضرارٍ قد يصعب تداركها ولما تقتضيه ضرورة حماية الوضع الظاهر للحائز حمايةً عاجلة.
👈 وجهة نظر:
إنَّ مفهوم "الخشية من فوات الوقت" ليس مجرد اصطلاحٍ قانونيٍ مجرد بل هو تجسيدٌ لحاجةٍ إنسانيةٍ واجتماعيةٍ مُلِحَّةٍ للحماية القضائية الفورية حينما تكون الحقوق والمراكز القانونية مهددةً بخطرٍ داهمٍ لا يحتمل التأخير أو التراخي. 
ويقع على كاهل القاضي المستعجل في هذا المقام مسؤوليةٌ جسيمةٌ في تقدير هذا العنصر بحكمةٍ ورويّةٍ وبصيرةٍ نافذة موازناً بدقة بين ضرورة توفير الحماية العاجلة والفعالة من جهة وضمان عدم التعسف في استعمال هذا السبيل الاستثنائي للتقاضي من جهة أخرى. 
ولا شك أن وضوح المعايير واستقرار الاجتهادات القضائية بشأن تقدير هذا العنصر ليسهم إسهاماً كبيراً في تحقيق العدالة الوقائية بصورة ناجعة.
👈 يظل شرط "الخشية من فوات الوقت" هو القوة الدافعة والمحرك الأساس لعجلة القضاء المستعجل وهو الضابط الذي يحدد نطاق تدخله وحدود ولايته فبدون هذا الخطر المحدق والداهم يفقد القضاء المستعجل مبرر وجوده كآليةٍ استثنائيةٍ للحماية القضائية ويصبح مجرد تكرارٍ للقضاء الموضوعي مع اختصارٍ في الإجراءات لا يسوغه مسوغ ويبقى على كاهل المشرع والقضاء والفقه القانوني واجب مواصلة تطوير الضوابط والمعايير التي تكفل التطبيق السليم والمنضبط لهذا المبدأ الجوهري بما يحقق التوازن الدقيق بين مقتضيات سرعة الحماية ومتطلبات ضمانات العدالة.

👈 المراجع:
(¹) الندواي، شرح قانون المرافعات المدنية، ص ٣٠٨-٣٠٩، حيث يعرف الاستعجال بأنه "الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه باتخاذ إجراءات سريعة والذي يلجأ بسببه إلى القضاء المستعجل ليصدر حكماً وقتياً سريعاً دون المساس بأصل الحق"؛ ، د. أمينة مصطفى النمر، مناط الاختصاص والحكم في الدعاوى المستعجلة ص٢١

(²) انظر على سبيل المثال، د. أمينة مصطفى النمر، مناط الاختصاص والحكم في الدعاوى المستعجلة، حيث يعتبر الاستعجال شرطاً أساسياً لاختصاص القضاء المستعجل، ص ٢١ ومابعدها.

(³) قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني، المادة ٢٣٨.

(⁴) الندواي، شرح قانون المرافعات المدنية، حاشية ص ٣٠٩.

(⁵) المادة ٩٦ من قانون الإثبات المصري، مشار إليها في: د. حامد أبو أحمد، الكتاب الثاني: الاختصاص ونظرية الدعوى، ص ٥٩.

(⁶) المادة ١٣٣ من قانون الإثبات المصري، مشار إليها في المرجع السابق نفسه.

(⁷) د. عبد الملك عبد الله الجنداري، القضاء المستعجل (النظام القانوني للحماية القضائية المستعجلة): دراسة تحليلية مقارنة، الطبعة الرابعة (صنعاء، ٢٠١٩)، ص ١٧٣.
Ahmed shahata

سوق الطبيقات 3

مدونة عربيه تهتم بالتقنيه وشروحات السيو، انشائها المبرمج نورالدين العرشاني مصمم مواقع ويب بلغه html ، مدونتنا تقوم بتعديل القوالب وتصميمها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق