المعاينة في القضاء المستعجل بقلم/المستشار احمد محمد نعمان محامي وكاتب يمني المعاينة في القضاء المستعجل بقلم/المستشار احمد محمد نعمان محامي وكاتب يمني
close

المعاينة في القضاء المستعجل 

بقلم/المستشار احمد محمد نعمان محامي وكاتب يمني

 تُعد المعاينة من الإدلة المهمة في إثبات الوقائع المادية ويكوِّن القاضي عقيدته عن طريقها بملامسته للوقائع ذاتها وإستخلاص الدليل من مشاهدته ومعاينته لمحل الدعوى لا مما يُقدمهُ لهُ الخصوم من الأقوال والمستندات والبينات، والمعاينةُ قد تكون ضرورية في بعض القضايا التي تحتاج الى ذلك لا كلها إذ يتعين معاينة محل النزاع وفحص حالته كي تتمكن المحكمة من تكوين إعتقادها الصحيح عن حقيقة المنازعة ،وإظهار الحقيقة في أقرب وقت وبأيسر نفقة فهي تعطي للمحكمة مزيداً من الإيضاح والفهم في حسم الدعوى المعروضة عليها فعن طريقها تتمكن المحكمة من معرفة حقيقة النزاع واستخلاص وجه الحكم فيه فضلاً عما يوفّره لها ذلك من ثقة وإطمئنان في تكوين عقيدتها مما يجعلها بمنائ عن التأثر بأقوال الخصوم المغرضة المتناقضة أحياناً والتي لا توصل المحكمةَ إلى نتيجةٍ سليمة إضافة الى أن نسبة كبيرة من القضايا المقدمة إلى المحاكم تعتمد في إظهار الحق وإثباته فيها على المعاينة وعدول الخبرة وقد عُرِّفت المعاينة بالإصطلاح القانوني بأنها "انتقال المحكمة لمشاهدة محل النزاع أيا كانت طبيعته سواءً أكان عقاراً أم منقولاً وبصفة عامة كل ما يقع عليه النزع مما يُظن أن تكون معاينته مجدية وتكون منتجة في إثبات بعض الوقائع بمعاينة القاضي لها وقد يَستخلص من المعاينة قرائنَ يستدل بها على أمور معينة تتعلق بالدعوى فإذا كان معرض حديثنا يصب في المعاينة بشكل عام فإن العنوان ينصب على نطاق خاص وهو -المعاينة(في القضاء المستعجل) ومع غياب واضحٍ لذلك المفهوم مع حاجة المجتمع القانوني إليه ومن هذا المنطلق فقد سعينا إلى توسعة دائرة ذلك المفهوم والتأمل له من منظور واسع لا ضيق بالرجوع إلى الحاجة العملية والتطبيق القضائي على الواقع سيما وأن معظم التشريعات العربية حصرت نطاق المعاينة في القضاء المستعجل على دعاوى إثبات الحالة فقط وذلك الحصر قد يكون سديداً من جهة ومن جهة أُخرى فإننا نرى أنه لم يشبع الرغبة الماسة لحاجة الفرد له، والمعاينة في القضاء المستعجل هي تصوير حالة مادية يُخشى ضياع معالمها فيما لو ترك عرضها على محكمة الموضوع صيانة للدليل المثبت من خطر الضياع بوصف المعاينة إجراءً وقتياً قبل رفع الدعوى الموضوعية التي تُستخدم فيها المعاينةُ دليلَ إثبات أو أثنائها باعتباره قرارً مؤقتاً تتخذه المحكمة طبقاً للإجراءات التي يحددها القانون للحماية من خطر التأخير الذي يقوم على ركنين هما الخطر العاجل وهو خطر محدق بالمال المراد المحافظة عليه خوفاً من الضرر وعدم المساس بأصل الحق وبالتالي فالقضاءُ المستعجل لا يُحدث تغييراً في المراكز القانونية الموضوعية للخصوم وإنما يعمد إلى اتخاذ قرارٍ على ظاهر المستندات المقدمة لدرء الخطر المحدق ،وتكون المعاينة في القضاء المستعجل بموجب دعوى مستعجلة مرفوعة أمام القضاء أو طلب عارض وفقاً للقواعد العامة وتُرفع إلى القضاء المستعجل بصفة مستقلة أو إلى قاضي الموضوع بالتبيعة لقضية موضوعية منضورة أمامه ووفقاً للشروط القانونية ذلك ما ذهب اليه المشرع اليمني في المادة (241)من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم(٤٠) لسنة(٢٠٠٢م) المعدل بعض مواده بالقانون رقم (٢) لسنة(٢٠١٠م) المعدل بعض مواده بالقانون رقم(1)لسنة(2021م) والتي نصت بما لفضه(ترفع الدعوى المستعجلة بعريضة تعلن إلى المدعى عليه خلال (24) ساعة ويجوز إنقاصها إلى ساعتين ويكون ميعاد الحضور أربعاً وعشرين ساعة ويجوز إنقاصه من ساعة إلى ساعة وعلى القاضي أن ينظر الدعوى في المحكمة وله عند الضرورة القصوى أن ينظرها خارج المحكمة)

 ‏ ‏ كما قد يُطلب من القضاء المستعجل تبليغ ذوي الشان للإنتقال وإثبات الواقعة بمعرفة الحاكم أو الخبير ويراعى في هذا الشأن الأحكام المتعلقة بالخبرة والكشف والمنصوص عليها قانوناً ويجب أن يشتمل المحضر على جميع المسائل التي اقتضاها وتحفظ صورة منه لدى مقدم الطلب وصورة لدى القلم ويجوز لمحكمة الموضوع أن تتخذه مستقبلا سببا لحكمها في حال قيام نزاع أمامها هذا ما لم يكن مقدما أثناء نزاعٍ منظورٍ وبالتالي فإن دعوى إثبات الحالة ما هي إلا مجرد تصوير مادي واقعي لخطر لايمكن تلافيه مستقبلا خشية ضياع معالم الواقعة المراد اثباتها كأن تفيض ساقية وتتلف مزروعات لاسيما وأن الكثير من معالم ذلك الضرر ستتلاشى بفعل الطبيعة أو الإنسان فضلاً عن أن المضرور قد يصلح الضرر من ماله بعد أن تم تثبيت قيمة إصلاحه وقد لا يُصلح ذلك الضرر كما في حالة تصادم سيارتين أو سفينتين أو سقوط طائرة أو تثبيت حالة الأعمال التي أنجزها المقاول عن العمل وقيمتها تمهيداً لتمكين رب العمل من الإستمرار في البناء لغرض الرجوع على المقاول بالتعويض.

 ‏ اذن فان ما ذكر آنفا ينصرف الى المعاينة في القضاء المستعجل باعتبار المعاينة مقتصرة على إثبات(الحالة)دون المسائل المستعجلة الأخرى كطلب منع التعرض واسترداد الحيازة .. وغير ذلك من المسائل التي تدخل ضمن نطاق(حماية الوضع الظاهر)نجد أن فقهاء القانون لم يتكلموا عن المعاينة فيها وإن كان سكوتهم صائبا في ذلك له إيجابيته لما من شأن ذلك المساس باصل الحق إلا أنه في نفس الوقت يعتبر قصورا لحاجة القضاء المستعجل لذلك سواء أكان في دعوى إثبات حالة أو في دعاوى حماية الوضع الظاهر فالمعاينة لا تحملها دعوى دون أخرى فهي إذن دليل مهم في بقية المسائل المستعجلة المنصوص عليها في المادة(240)من قانون المرافعات ولكن متى ما احتاجت المحكمة ورأت ذلك إمّا من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم إذا كان موافقا للقانون ودعت الحاجة اليه إمّا في معاينة الخطر المحدق أو مظاهر الإعتداء على الحقوق الظاهرة التي تعكر صفو الحائز واضع اليد أو مظاهر حيازة كل طرف ...الخ وبالتالي فإنها تعتبر دليلا منتجا في مسائل القضاء المستعجل تستنتج المحكمة من خلاله معرفة الحقيقة التي قد تغيب أثناء مناظرة طرفيْ الخصومة أمامها وزيادة على ذلك فإن أغلب المسائل الشائكة في القضاء المستعجل تكمن في دعاوى حماية الحقوق الظاهرة التي يثير التنازع فيها جدلا كبيرا بين أوساط القانونين والقضاة ومعظمها ينتهي المآل بها إلى عدم قبولها لوجود أدنى سبب فيها مرجئين الفصل فيها إلى القضاء العادي ‏وإن كان قد ذهب معظمهم إلى التقرير بعدم قبول الدعاوى المستعجلة في حالة وجود إدعاء للحيازة من كل طرف إلا أن ذلك الأمر لا يطرح المحكمة أمام خيار واحد وهو التقرير بعدم القبول طالما وأن المعاينة ستكون سبيلا لجلاء الحقيقة ورفع الغبار عنها فبالمعاينة يستطيع القاضي معرفة وجود حقوق ظاهرة يتطلب حمايتها و هل هي موافقة لدعوى من يطلبها أم لا وكذا مقارنة مظاهر الحيازة الواردة في الدعوى و على لسان الشهود مع الواقع أضف إلى ذلك أهميتها في معرفة الخصومات الكيدية المفتعلة بقصد ترتيب آثار قانونية على الغير (الحائز الحقيقي)فقد ترفع الدعوى بمواجهة شخص آخر يأتي بدوره ليقر بحيازة المدعي بقصد ترتيب آثار الدعوى على شخص آخر غير طرف في تلك الخصومة المفتعلة فيكون دور المحكمة في تلك الخصومة توخّى الحذر من الحكم فيها بل لها أن تقرر الإنتقال في سبيل معرفة الحقيقة والتاكد من حيازة المُقَر له(المدعي)وهل الحائز هو أم أن الحائز شخص آخر لا علاقة له بالدعوى وبالتالي فإن المعاينة تصبح مهمة في كثير من حالات القضاء المستعجل فعلى سبيل المثال إذا افترضنا جدلا قيام نزاع بين طرفين في دعوى جوهرها حماية الوضع الظاهر إلا أن كلا منهم إدعى الحيازة في محل النزاع لنفسه فالمدعي إدعى أن مظاهر حيازته تتمثل في وضع الأحجار وبناء قواعد من الخرسانة بينما المدعى عليه دفع بعدم قبولها لعدم توافر شروطها وأضاف إلى إدعائه بأن الحيازة له وأن مظاهر الحيازة هي الزراعة والحراثة إضافة إلى أن كل طرف أحضر شهودا لمظاهر حيازته فهنا قد يتساءل البعض عن دور المحكمة في مثل ذلك فوفقا لقواعد واختصاص القضاء المستعجل فإن المحكمة تقضي بعدم قبول الدعوى لكون الفصل فيها يُحتم عليها مناقشة الملك وهذا هو الصواب ولكن ليس ذلك في جميع الدعاوى بل يختلف من دعوى إلى أخرى فإذا افترضنا أن مدعي حيازة الأحجار والقواعد الخرسانية دفع بعدم قبول شهادة المدعى عليه لكونها كيدية ومكذبة بالواقع وفقا لنص المادة( 41 /4) من قانون الإثبات التي اشترطت في الشهادة ألا يكذبها الواقع ثم طلب من المحكمة الخروج للمعاينة لمخالفة شهادات خصمه للواقع و أنه لا وجود لآثار زراعة أو حراثة وبالتالي فإن المعاينة هنا تكون دليلا حاسما لتكوين عقيدة المحكمة ومن غير الصواب أن يُرفض ذلك الطلب لأن الرفض فيه إجحاف بحق المدعي فلا يعقل أن يخسر المدعي دعواه لحماية حقوقه الظاهرة لمجرد أن المدعى عليه استأجر شهود زورٍ شهادتهم تخالف الواقع وهذا مايجعل المعاينة وسيلة حاسمة للنزاع المعروض على المحكمة بصفته المستعجله وليس بصفته الموضوعيه باعتباره فكرة مادية محسوسة من الواقع لا يمكن أن تعطيها إياه أوراق الدعوى من الإستدلال الظاهري هذا فضلا عما توفره من ثقة وطمأنينة للقاضي يجعله بمنأى عن التأثر باقوال الخصوم المغرضة المتناقضة وإن كان يعتقد البعض أن المعاينة مساسا باصل الحق فذلك غير صحيح وإنما تكون في مثل هذه الحالة كدليل للإستدلال الظاهري تعرف المحكمة من خلاله مدى تطابق شهادة الطرفين للحقوق الظاهرة مع الواقع فإن رأت المحكمة من خلال المعاينة تطابق أدلة المدعي مع الوضع الظاهر قضت بحمايته وإن رأت عكس ذلك أو مطابقة الوضع الظاهر لشهود المدعى عليه قضت بعدم قبولها وما تجدر الإشارة اليه هو ضرورة توخّي القاضي أثناء المعاينة من الخوض والتغلغل في أصل الحق لأن ذلك سيلحق بالأطراف ضرراً بل ويصبح ذلك خارج عن صميم إختصاصه فمثلا القاضي المستعجل لا يقرر عائدية الأموال في الدعوى التي يخشى عليها من فوات الوقت بموجب المعاينة وهل هي للمدعي أو المدعى عليه كما لا يجوز له أن يثبت فيه إنطباعاته عن المعاينة أو رأيه الخاص فيما لو كان قضاءً موضوعيا لأن الدور المنوط القيام به هو دور إجرائي غير موضوعي يمس اصل الحق وبالتالي ليس له حق التقرير بالملكية المستندية أو البحث فيها أو تطبيقها وإنما يعمد إلى اتخاذ قرارٍ على ظاهر المستندات المقدمة لدرء الخطر المحدق ومعاينة الوضع الظاهر دون التدخل بتطبيق مستند مَّا أو تحديد مساحة مزروعة أو التقرير بتجاوز أرض على أخرى أو تثبيت حدود عقار أو ماشابه ذلك فذلك مما لاشأن للقضاء المستعجل فيه ويكون غير مختص كما يجب أن يتضمن محضر المعاينة جميع ملاحظات المحكمة ويعتبر ماورد فيه دليلا قائماً في الدعوى يستدل به على صحة دعوى الحقوق الظاهرة من عدمه

 ‏ ‏هذا والله أدرى وأعلم.

 ‏ ‏ المراجع:-

 ‏ ‏1-قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم(٤٠) لسنة(٢٠٠٢م) المعدل بعض مواده بالقانون رقم (٢) لسنة(٢٠١٠م) المعدل بعض مواده بالقانون رقم(1)لسنة(2021م)

2-المعاينه ودورها في الحكم الفضائي في الدعوى المدنية-ا/صلاح مالك حمود العزاوي.

3-المعاينة في نطاق الدعوى المدنية دراسة فقهية قانونية مقارنة-أ. أوان عبد الله الفيضي.

4-المعاينة في القضاء المستعجل- عصمت عبد المجيد بكر

 ‏ ‏5)مراجع اخرى 

 ‏ ‏

 ‏ ‏تم ترجمة هذه المقالة من قناتنا المرئية على اليوتيوب للمزيد من مشاهدة مقاطعنا المرئية إضغط على هذا الرابط

 ‏https://youtube.com/channel/UCjug_tPlOp17wx7MyOtb86g

لِمشاهدة هذه المقالة على موقعنا الرسمي الإلكتروني إضغط على هذا الرابط 👇

لمشاهدة هذه المقالة والإطلاع على المزيد من البحوث و المعارف القانونية على قناتنا بالتليجرام على الرابط التالي 👇

قناة المستشار القانوني /احمد محمد نعمان

قناة تهتم بالثقافة والبحوث القانونية


https://t.me/anomanlawyer1

Ahmed shahata

سوق الطبيقات 3

مدونة عربيه تهتم بالتقنيه وشروحات السيو، انشائها المبرمج نورالدين العرشاني مصمم مواقع ويب بلغه html ، مدونتنا تقوم بتعديل القوالب وتصميمها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق