📚 القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية (١)
✍️بقلم المستشار/احمد محمد نعمان محامي وكاتب يمني
القواعد الفقهية هي: كليات في نصوص موجزة تتضمن أحكاماً شرعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
وتعتبر القواعد الفقهية من أهم الإبداعات التي زخرت بها العقول وانتجتها فهي كلمات معبرة انتجتها (عقول الفقهاء) الزاخره بالإبداعات فصاغوها بعبارات موجزة جرت مجرى الأمثال في شهرتها ودلالاتها وكان(لعالم القانون) نصيبا منها بل واصبحت ضرورة لازمة له ومادة دسمة لدى المشتغلين فيه لأنها ثمرات ثابتة في ميزان التشريع والقضاء ومادام أن الأحداث والوقائع في حياة البشر تتجدد فان القواعد الفقهية تبقى مستمرة لا تنقطع وقد نكون أحوج ما يكون لها هو عصرنا الحالي ولأن عجلة الحياة تسير بشكل سريع مما ينتج عن ذلك ظهور معاملات جديدة ونظم إجتماعية جديدة يُراد منها معرفة موقف الشارع منها ولا يمكن لأحد أن يتعرف على الصور الجديدة إلا باستعماله للإصول والقواعد التي منها القواعد الفقهية ونظرا لأهمية تلك القواعد وفائدتها وحاجتنا لها لكون حفظها وفهمها يساعد الفقيه والقاضي على فهم مناهج الفتوى والقضاء ويطلعهما على حقائق الفقه ومآخذه ويمكنه من تخريج الفروع بطريقةٍ سليمة وكذا يساعد على إدراك مقاصد الشريعة فقد سعينا هنا إلى التطرق إلى القواعد الفقهية والتطبيقات القضائية في مجالات شتّى من حياتنا ونعرج في هذا المقال إلى قاعدتين مهمتين في حياتنا اليومية هما:-
(اولا) قاعدة الأصل عدم الضمان وبراءة الذمة
شرح القاعدة
الأصل براءة ذمم الناس من أي حق من الحقوق من التحمل والإلتزامات وإن كل ذلك طارئ بسبب عارض ومن يدعي انشغال ذمة ما فعليه إثبات انشغال تلك الذمة بالدليل.
ويرجع تأصيل تلك القاعدة إلى أنها فرع من فروع القاعدة الكبرى (اليقين لا يزول بالشك) إذ أن براءة الذمة ثابتة بيقين لأنها فارغة منذو الولادة من التحمل والإلتزامات وحدوث ذلك إنما هو طارئ حادث ولا يزول هذا اليقين بمجرد الدعاوى لأنها تكون مزاعم تفتقد إلى الدليل فإذا عضد الدعاوى ذلك الدليل فقد ثبت انشغال الذمة وتعتبر تلك القاعدة من القواعد المعتمدة التي بنى عليها الفقهاء طائفة كبيرة من أحكام العبادات والجنايات والمعاملات وطرق الإثبات ومما يزيد أهمية تلك القاعدة هو إجماع المذاهب الأربعه عليها وتمثل هذه القاعدة ركنا وطيدا وقاعدة من القواعد القضائية المهمة
وهناك شروط لتطبيق تلك القاعدة منها ما هو عام ومنها ما هو خاص فالشروط العامة أن لا تعارض هذه القاعدة ما هو أقوى منها سواء كان دليلا فرعيا معتدا به أو قاعدة فقهية متفق عليها ومن الشروط كذلك أن تكون الواقعة المراد تطبيق القاعدة عليها خالية من الحكم الشرعي الثابت بالنص أو بالإجماع.
وبما أن نص القاعدة (الأصل عدم الضمان وبراءة الذمة) فرع من فروع القاعده الكبرى(اليقين لايزول بالشك ) فإنه يستدل للفرع بأدلة الأصل ومن الأدلة قوله تعالى:
(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ )
وعن ابي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا ، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ، أَوْ يَجِدَ رِيحًا "وغير ذلك من الأدلة الواردة في القران والسنة.
ويشمل تطبيق تلك القاعده على أمور كثيرة ومسائل متنوعة في حياتنا كالوديعة والإجارة والضمان والغصب وغير ذلك ومن تطبيقات القاعدة الآتي:-
1-إذا تم توجيه اليمين على المدعى عليه لا يُقضى بنكوله لأن الأصل براءة الذمة وعند عدم البينة يُكتفي بيمين المدعى عليه لدفع الدعوة وإثبات براءة الذمة لأنه متمسك بالاصل
2-من اتُّهم بقتل أو سرقة وليس ثمة بينة ولا دليل فأنكر كان القول قوله لأن الأصل براءة ذمته من تلك الأمور ولا يُحكم بشيئ عليه لأن الأصل براءة الذمة .
3-إذا ادعى شخص على آخر دينا في الذمة فلا يقبل قوله إلا إذا أحضر بينته لأنه تمسك بخلاف الأصل وعند عدم البينة يُكتفي بيمين المدعى عليه لدفع الدعوى وإثبات براءة الذمة
4-لو أُعطي شخص(٥٠٠٠)الف ريال من آخر ثم اختلفا فقال المعطي قرض وقال الآخذ هبة كان القول قول الآخذ لأن يدعي براءة ذمته من ضمان الرد والأصل براءة الذمة فالأصل شاهد له
القاعده الثانية.
(قاعدة الضرر يُزال)
تعتبر هذه القاعدة من أمهات القواعد الفقهية الكبرى التي تعبر عن هوية الفقه الإسلامي كنموذج يُباهى به بين سائر تشريعات الأمم وفلسفة بديعة لا يضاهيها شيء فتبين وجه التشريع عن الإضرار بالنفس أو إلحاق الضرر بالغير موضحة أنه لا يجوز الإضرار ابتداءً كما لا يجوز انتهاء وإذا وقع الضرر وجبت إزالته ما لم تكن إزالته يترتب عليها ضرر أكبر وذلك لا يكون إلا بطرق ومنها:-
1-دفعه قبل وجوده وتحريم ما أدى اليه وسد الذرائع الموصله اليه.
2-أن يتم إزالته وفق ضوابط شرعية تتسم بالحكمة والحنكة العاليةإذ أنها راعت أن يزال الضرر ولكن لا يزال بمثله او باكبر
3- تحديد كيفية التعايش مع ما لا بد منه وتحجمه وتضيق دائرته وإلا لزم العمل على إزالته متى أمكن وعدم الإعتبار بقِدَمِه.
أدلة تلك القاعده من القرآن:-
قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق: 6].
- قوله تعالى: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233].
-
- - أدلتها من السنة.
- عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا ضررَ ولا ضرار، من ضارَّ ضرَّه الله، ومن شاقَّ شق الله عليه)) وغير ذلك من نصوص القرآن والحديث.
- ومن القوعد الفقهية المندرجة تحت هذه القاعدة
- 1 - الضرر يُدفع بقدر الإمكان.
- 2 - الضرر لا يُزال بالضرر.
- 3 - يتحمل الضرر الخاص؛ لأجل دفع ضرر العام.
- 4 - إذا تعارضت مفسدتان، رُوعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما.
- وقد ذكر الإمام إبن نجيم النفي والامام السيوطي أنه يبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه ثم راح يذكران الأمثله لهذه القاعدة كالرد للعيب والحَجْر بأنواعه والشفعة من إزالة الضرر من دخول اجنبي وكذا التفريق بين الزوجين لِلضرر وفسخ النكاح للعيوب وبيع مال المدين المماطل وغير ذلك من الأمثلة التى جرى عليها الفقه.
- ثم جرت التطبيقات القضائية على ذلك منها:
- 1- لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع، تبقى الأرض في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد؛ دفعًا لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوآنه.
- 2-لو باع رجل شيئاً مما يسرع إليه الفساد، كالفواكه، وغاب المشتري قبل دفع الثمن فيجوز للبائع أن يفسخ البيع وأن يبيعه من غيره دفعًا للضرر..
المراجع:-
(1)-قواعد الفقه الكلية
(2)-شوقي إبراهيم علام
(3)-سلسلة ملخصات الأبحاث القضائية العدد (٧)
(4)-الضرر يزال -ابو الكلام شفيق القاسم
(5)-فوائد القواعد الفقهية- د/اسماعيل عبده عباس
لمتابعة قناتنا على اليوتيوب اضغط على هذا الرابط👇
https://youtube.com/channel/UCjug_tPlOp17wx7MyOtb86g
لِمشاهدة هذه المقالة على موقعنا الرسمي الإلكتروني على هذا الرابط 👇
https://anoman-lawyer.blogspot.com/2021/07/blog-post_22.html?m=1
قناة المستشار القانوني /احمد محمد نعمان
قناة تهتم بالثقافة والبحوث القانونية
https://t.me/anomanlawyer1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق